ضلالة الهيكل الثالث

في الحقيقة ترتبط ضلالة الإختطاف السّري ارتباطا وثيقا مع أطماع سياسية تم تبنّيها من الملايين في الكنائس على أنها من الكتاب المقدس وهي ضلالة إقامة الهيكل الثالث. ربما يكون الموضوع صعبا. كيف يكون إعادة بناء واستخدام الهيكل في اورشليم ضلالة؟ في الحقيقة إنه ليس ضلالة وحسب بل تحدًّ صارخ للرب بحسب الكتاب المقدس. لندرس الموضوع!

لم يطلب الرب بناء هيكل له بل كانت فكرة الملك داود. ولم يدعه الرب يبني الهيكل بل سليمان ابنه الذي فهم أن موضع سكنى الرب هو في السماء (١ ملوك ٨: ٣٠). كان الرب يعلم أن الشعب سيجعل من الهيكل وثنا. وها هو النبي ارميا يؤكد ذلك : ” اِسمَعوا كلِمَةَ الرَّبِّ … لا تتَّكِلوا علَى كلامِ الكَذِبِ قائلينَ: هَيكلُ الرَّبِّ، هَيكلُ الرَّبِّ، هَيكلُ الرَّبِّ هو! … هل صارَ هذا البَيتُ الّذي دُعيَ باسمي علَيهِ مَغارَةَ لُصوصٍ في أعيُنِكُم؟ … أصنَعُ بالبَيتِ الّذي دُعيَ باسمي علَيهِ الّذي أنتُمْ مُتَّكِلونَ علَيهِ، وبالمَوْضِعِ الّذي أعطَيتُكُمْ وآباءَكُمْ إيّاهُ، كما صَنَعتُ بشيلوهَ ” (ارميا ٧: ٢ ، ٤ ، ١٢). فأرادوا قتل ارميا لأنه تكلم ضد الهيكل! (ارميا ٢٦: ٨-٩). ففي أعينهم صار الهيكل أعظم من كلام الرب ونبي الرب ، والمتكلّم ضده مستوجب الموت. وبسبب عصيانهم أتى الخراب (٢ أخبار ٣٦: ١٥-٢١) .

ولا يمكن الغفَل عن أوجه التشابه مع نبوة دمار الهيكل الثاني الذي نطق بها المسيح يسوع وقد كرّر الكلمات في سفر ارميا بجعلهم بيت الرب “مغارة لصوص” (لوقا ١٩: ٤٦). وكذلك اتهموه بالتكلّم ضد الهيكل. وتسببّوا بالخراب ثانية (لوقا ١٩: ٤٤).

ولكن في هذه المّرة تخلّى الرب عن الهيكل الثاني “هوذا بَيتُكُمْ يُترَكُ لكُمْ خَرابًا ” (متى ٢٣: ٣٨) بعد أن كان يسمّيه “بيتي” (لوقا ١٩: ٤٦) صار “بيتكم”. ولا توجد نبوة في الكتاب المقدس عن إعادة بناء هيكل أرضي في اورشليم يعتبره الرب بيته. 

فلماذا أعطى الرب نبوة بإعادة بناء الهيكل الأول بعد تدميره ولم يُعطي أي نبوة بإعادة بناء الهيكل الثاني؟

لقد عاتب الرب الشعب على تأخير بناء الهيكل وهم يبنون بيوتهم ” لأجلِ بَيتي الّذي هو خَرابٌ، وأنتُمْ راكِضونَ كُلُّ إنسانٍ إلَى بَيتِهِ” (حجي ١: ٩). ولم يفعل هذا بعد خراب الهيكل الثاني. ولم يتعلّم الشعب الدرس حتى بعد السبي. فعند بناء الهيكل الثاني “كثيرونَ مِنَ الكهنةِ واللاويّينَ ورؤوسِ الآباءِ الشُّيوخِ، الّذينَ رأوا البَيتَ الأوَّلَ، بَكَوْا بصوتٍ عظيمٍ عِندَ تأسيسِ هذا البَيتِ أمامَ أعيُنِهِمْ … ولَمْ يَكُنِ الشَّعبُ يُمَيِّزُ هُتافَ الفَرَحِ مِنْ صوتِ بُكاءِ الشَّعبِ” (عزرا ٣: ١٢-١٣). 

ويقول الرب : “مَنِ الباقي فيكُمُ الّذي رأى هذا البَيتَ في مَجدِهِ الأوَّلِ؟ وكيفَ تنظُرونَهُ الآنَ؟ أما هو في أعيُنِكُمْ كلا شَيءٍ!” (حجي ٢: ٣). لأنهم اعتبروا المجد هو الفضة والذهب والنفائس التي احتواها. لذلك يقول الرب ” لي الفِضَّةُ ولي الذَّهَبُ، يقولُ رَبُّ الجُنودِ” (٨).

أمر الرب ببناء الهيكل الثاني لأن المسيا كان سيأتي وينبغي أن تستمر الخدمة الرمزية في الهيكل بحسب النبوة حتى يكمل الرمز بالمرموز له: المسيح يسوع. لذلك يقول الرب ” ويأتي مُشتَهَى كُلِّ الأُمَمِ، فأملأُ هذا البَيتَ مَجدًا … مَجدُ هذا البَيتِ الأخيرِ يكونُ أعظَمَ مِنْ مَجدِ الأوَّلِ، قالَ رَبُّ الجُنود” (حجي ٢: ٧،٩).

وعندما أتى “مشتهى كلّ الأمم” وتمّم هذه النبوّة “ولكن أقولُ لكُمْ: إنَّ ههنا أعظَمَ مِنَ الهَيكلِ!” (متى ١٢: ٦) ، “تشاوَروا علَيهِ لكَي يُهلِكوهُ ” (١٤). فقد أصبح الهيكل الثاني الذي قام الملك هيرودس بتجديده بمواد ثمينة وثنا ثانيا: “ويلٌ لكُمْ أيُّها القادَةُ العُميانُ! القائلونَ: مَنْ حَلَفَ بالهَيكلِ فليس بشَيءٍ، ولكن مَنْ حَلَفَ بذَهَبِ الهَيكلِ يَلتَزِمُ. أيُّها الجُهّالُ والعُميانُ! أيُّما أعظَمُ: ألذَّهَبُ أمِ الهَيكلُ الّذي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟” (متى ٢٣: ١٦-١٧).

وكما رأينا فإن شق حجاب الهيكل (متى ٢٧: ٥١) وقت إبطال نظام الذبائح وتخلي الرب عن الهيكل الثاني (متى ٢٣: ٣٨) والنبوة بخرابه (لوقا ١٩: ٤١-٤٤) ونهاية نبوة السبعين اسبوعا لشعب اسرائيل كشعب الرب (دانيال ٧: ٢٤-٢٧) لا يمكن أن تناسب المطامح بإعادة بناء هيكل لليهود. فتكون العبادة فيه هي رفض صارخ للمسيح يسوع الذي تمّم نبوات الكتاب المقدس كما رأينا. فإن كان اليهود اليوم يؤمنون بالمسيا كما هو في النبوات ، فإنهم سيصبحون كما أصبح شاول الرسول بولس. ولم يُنادي أي من الرسل ببناء هيكل آخر لأنهم آمنوا بانتهاء زمن النبوة (زمن النعمة) للأمة اليهودية كشعب خصّه الرب بالبشارة بعد رفضهم للمسيا. يقول الرب “… علَى هذِهِ الصَّخرَةِ أبني كنيسَتي” (متى ١٦: ١٨). ويوضّح الرسول بطرس: ” كونوا أنتُمْ أيضًا مَبنيّينَ -كَحِجارَةٍ حَيَّةٍ- بَيتًا روحيًّا، كهَنوتًا مُقَدَّسًا، لتَقديم ذَبائحَ روحيَّةٍ مَقبولَةٍ عِندَ الرب بيَسوعَ المَسيحِ. لذلكَ يُتَضَمَّنُ أيضًا في الكِتابِ: «هأنَذا أضَعُ في صِهيَوْنَ حَجَرَ زاويَةٍ مُختارًا كريمًا، والّذي يؤمِنُ بهِ لن يُخزَى».” (١ بطرس ٢: ٥-٦).

” أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هَيكلُ الرب، وروحُ الرب يَسكُنُ فيكُم؟” (١ كونثوس ٣: ١٦). 

فنرى تعليم الرب يسوع أن هيكله هو كنيسته المبنية عليه هو “حَجَرَ زاويَةٍ مُختارًا كريمًا”. وليست كنيسته مبنية على انسان مثل الرسول بطرس كما يفسّر آخرون في ضلالة أخرى عن هيكل الرب بعد دمار الهيكل الثاني. 

للأسف تروّج الترجمات التفسيرية الحديثة للكتب المقدسة بشكل واضح لضلالة الاختطاف السري والقراءة المستقبلية لنبوة دانيال ٩ وتشييد الهيكل الثالث مما يدعونا للتدقيق اكثر في القراءة ونبذ تفاسير مغرضة دخيلة على الحق الكتابي.

لقد قاد وخلّص الرب شعبه في القديم في البرّية بعمود نار وسحابة ولم يختطفهم سرا ويدخلهم ارض الموعد. وهو يقود كنيسته في وقت الضيق. للمزيد عن موضوع الاختطاف السري المرتبط بموضوع الهيكل الثالث ، احصل على كُتيب ”الاختطاف العلني“ من موقعنا.

للمزيد عن موضوع اسرائيل في العهد الجديد ، تابع القس ستيفن بور في هذه الفيديوهات: