“وإذا موسَى وإيليّا قد ظَهَرا لهُمْ يتَكلَّمانِ معهُ” متى ١٧: ٣

كثيرا ما يُطرح السؤال، هل ايليا وموسى أحياء في السماء؟

الاجابة على هذا السؤال بسيطة وهي نعم! ولكن علينا التدقيق في حالة كل من ايليا وموسى لفهم كيف ظهرا ولماذا هما أحياء في السماء في حين أن الكتاب المقدس واضح بأن الاموات يرقدون كما يسميه الرب يسوع “نوم” على رجاء القيامة.

هل موسى حي أم ميت؟

“وصَعِدَ موسَى مِنْ عَرَباتِ موآبَ إلَى جَبَلِ نَبو، إلَى رأسِ الفِسجَةِ الّذي قُبالَةَ أريحا، فأراهُ الرَّبُّ جميعَ الأرضِ…وقالَ لهُ الرَّبُّ: «هذِهِ هي الأرضُ الّتي أقسَمتُ لإبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ قائلًا: لنَسلِكَ أُعطيها. قد أرَيتُكَ إيّاها بعَينَيكَ، ولكنكَ إلَى هناكَ لا تعبُرُ».فماتَ هناكَ موسَى عَبدُ الرَّبِّ في أرضِ موآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. ودَفَنَهُ في الجِواءِ في أرضِ موآبَ، مُقابِلَ بَيتِ فغورَ. ولَمْ يَعرِفْ إنسانٌ قَبرَهُ إلَى هذا اليومِ.وكانَ موسَى ابنَ مِئَةٍ وعِشرينَ سنَةً حينَ ماتَ، ولَمْ تكِلَّ عَينُهُ ولا ذَهَبَتْ نَضارَتُهُ.” تثنية ٣٤: ١ و ٤-٧

إذاً مات موسى على جبل نبو والرب دفنه بنفسه وللتأكيد يقول الكتاب بأن قبره غير معروف ولكنه يذكر كل هذه المعالم الجغرافية للتأكيد عن مكان موته. وللتأكيد أيضا يقول في عدد ٨ “فبَكَى بَنو إسرائيلَ موسَى في عَرَباتِ موآبَ ثَلاثينَ يومًا. فكمُلَتْ أيّامُ بُكاءِ مَناحَةِ موسَى.”. إذا لا شك هنا بأن موسى قد مات حسب قول الرب.

فكيف قام موسى إذاً إن كان قد مات؟ نجد الاجابة على هذا السؤال في سفر يهوذا والعدد ٩

“وأمّا ميخائيلُ رَئيسُ المَلائكَةِ، فلَمّا خاصَمَ إبليسَ مُحاجًّا عن جَسَدِ موسَى، لَمْ يَجسُرْ أنْ يورِدَ حُكمَ افتِراءٍ، بل قالَ: «ليَنتَهِركَ الرَّبُّ!»”.

إذاً نجد هنا بأن الرب قد خاصم ابليس وانتهره عن جسد موسى! لماذا؟ لأن القيامة هي في الجسد. في متّى ٢٧: ٥٢ نجد القيامة الخاصة التي حدثت عند قيامة الرب يسوع “والقُبورُ تفَتَّحَتْ، وقامَ كثيرٌ مِنْ أجسادِ القِدّيسينَ الرّاقِدينَ”. إذاً قد أقام الرب جسد عبده موسى بعد أن دفنه في ارض موآب. لا يذكر الكتاب المقدس كم مرّ من الوقت بين موته ودفنه وقيامته ولكن بما أن حياة موسى ومثاله كانت ترمز إلى حياة يسوع المسيح نفسه الذي خلص شعبه من خطاياهم. فإن الرسل فهموا بأن حياة موسى كانت تشير إلى يسوع المسيح في قوله “نَبيًّا مِثلي سيُقيمُ لكُمُ الرَّبُّ إلهُكُمْ مِنْ إخوَتِكُمْ. لهُ تسمَعونَ”. ويقول الكتاب عن قيامة الرب يسوع “وأمّا الّذي أقامَهُ اللهُ فلَمْ يَرَ فسادًا” اعمال ١٣: ٣٧ فبالرغم أن الكتاب لايذكر متى أقام الرب موسى بالظبط، فإن أقامه قبل أن يفسد جسده يكون في ذلك ايضا مشيرا إلى قيامة الرب يسوع. ويكون هذا إشارة إلى مثال آخر في قوله “مُحاجًّا عن جَسَدِ موسَى” الذي أراد ابليس أن يحجزه في القبر ولم يقدر مثلما لم يقدر أن يحجز في القبر جسد الرب يسوع. مات موسى حسب قول الرب لأنه لم يطع الرب في التكلم إلى الصخرة التي ترمز إلى المسيح وضربها مرّتين في حين أن يسوع المسيح مات مرّة واحدة لأجل البشرية. إن لم يفعل موسى ذلك فمن المرجح جدا أن الرب كان سيأخذه حيّا إلى السماء مثل أخنوخ وايليا بعد دخولهم أرض الموعد فهو لم يمت من أمراض الشيخوخة إذ يقول الكتاب “ولَمْ تكِلَّ عَينُهُ ولا ذَهَبَتْ نَضارَتُهُ” وصعد إلى الجبل بنفسه.

هل ايليا حي أم ميت؟

“وكانَ عِندَ إصعادِ الرَّبِّ إيليّا في العاصِفَةِ إلَى السماءِ، أنَّ إيليّا وأليشَعَ ذَهَبا مِنَ الجِلجالِ…فخرجَ بَنو الأنبياءِ الّذينَ في بَيتِ إيلَ إلَى أليشَعَ وقالوا لهُ: «أتَعلَمُ أنَّهُ اليومَ يأخُذُ الرَّبُّ سيِّدَكَ مِنْ علَى رأسِكَ؟» فقالَ: «نَعَمْ، إنّي أعلَمُ فاصمُتوا»…وأخَذَ إيليّا رِداءَهُ ولَفَّهُ وضَرَبَ الماءَ، فانفَلَقَ إلَى هنا وهناكَ، فعَبَرا كِلاهُما في اليَبَسِ. ولَمّا عَبَرا قالَ إيليّا لأليشَعَ: «اطلُبْ: ماذا أفعَلُ لكَ قَبلَ أنْ أوخَذَ مِنكَ؟». فقالَ أليشَعُ: «ليَكُنْ نَصيبُ اثنَينِ مِنْ روحِكَ علَيَّ».فقالَ: «صَعَّبتَ السّؤالَ. فإنْ رأيتَني أوخَذُ مِنكَ يكونُ لكَ كذلكَ، وإلّا فلا يكونُ».وفيما هُما يَسيرانِ ويَتَكلَّمانِ إذا مَركَبَةٌ مِنْ نارٍ وخَيلٌ مِنْ نارٍ ففَصَلَتْ بَينَهُما، فصَعِدَ إيليّا في العاصِفَةِ إلَى السماءِ. وكانَ أليشَعُ يَرَى وهو يَصرُخُ: «يا أبي، يا أبي، مَركَبَةَ إسرائيلَ وفُرسانَها». الملوك الثاني ٢: ١، ٣، ٩، ١٠، ١٢

إذاً حسب النبي اليشع شاهد العيان فقد أُخِذ ايليا بجسده وهو حي إلى السماء بمركبة من نار بشكل مرئي إلى أن ذهب عن عيني اليشع وترك له ردائه علامة على تلبية طلب اليشع.فقد كان ايليا قد اشترط على اليشع بأن طلبه سيتم إن رآه يؤخذ منه “فقالَ: «صَعَّبتَ السّؤالَ. فإنْ رأيتَني أوخَذُ مِنكَ يكونُ لكَ كذلكَ، وإلّا فلا يكونُ»”. فهنا نجد تركيزا على أن هذا صعود ايليا كان مرئيا. فلا يمكن أن يكون روحا كما يقول البعض وإلا كيف رآه اليشع يصعد؟

هذا يطابق ويشير ايضا إلى كيفية صعود الرب يسوع إلى السماء بعد قيامته بجسد مُمجد مرئي ومسموع وملموس “وأخرَجَهُمْ خارِجًا إلَى بَيتِ عنيا، ورَفَعَ يَدَيهِ وبارَكَهُمْ. وفيما هو يُبارِكُهُمُ، انفَرَدَ عنهُمْ وأُصعِدَ إلَى السماءِ.” لوقا ٢٤: ٥٠-٥١  “الذينَ أراهُمْ أيضًا نَفسَهُ حَيًّا ببَراهينَ كثيرَةٍ، بَعدَ ما تألَّمَ، وهو يَظهَرُ لهُمْ أربَعينَ يومًا، ويَتَكلَّمُ عن الأُمورِ المُختَصَّةِ بملكوتِ اللهِ…ولَمّا قالَ هذا ارتَفَعَ وهُم يَنظُرونَ. وأخَذَتهُ سحابَةٌ عن أعيُنِهِمْ.” اعمال الرسل ١: ٣، ٩

هنا أيضا نجد تركيز الكتاب المقدس على شهود العيان في صعوده وهم يرونه ويسمعونه ولم يصعد إلى السماء في الخفاء بل صعد بجسده المُقام.

التجلي في متّى ١٧

لا غرابة إذاً في وجود موسى الذي أقامه الرب من الأموات وايليا الذي أخذه الرب ولم يذق الموت مع الرب يسوع على جبل التجلي. وللتأكيد هنا أيضا بأنهما لم يكونا أرواحا كما يظن البعض يقول بطرس للرب يسوع “«يا رَبُّ، جَيِّدٌ أنْ نَكونَ ههنا! فإنْ شِئتَ نَصنَعْ هنا ثَلاثَ مَظالَّ: لكَ واحِدَةٌ، ولِموسَى واحِدَةٌ، ولإيليّا واحِدَةٌ». وفيما هو يتَكلَّمُ إذا سحابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتهُمْ، وصوتٌ مِنَ السَّحابَةِ قائلًا: «هذا هو ابني الحَبيبُ الّذي بهِ سُرِرتُ. لهُ اسمَعوا».” متى ١٧: ٤-٥

مالذي جعل بطرس يعرض عمل مظال لموسى وايليا أيضا إن كانا أرواحا؟ وهو يتكلّم عنهما في مسألة المظال بالظبط مثلما تكلّم عن الرب يسوع. فهل كان الرب يسوع روحا أيضا؟ بالطبع لا. ثم ظللتهم سحابة نيّرة. لاحظ أيضا الآية “وإذا موسَى وإيليّا قد ظَهَرا لهُمْ يتَكلَّمانِ معهُ“. فقد كانا مرئيين للرسل ولكنهما تكلّما مع الرب يسوع فقط. لا إشارة في النص أبدا بأن موسى وايليا بعد أن صعدوا إلى السماء بأجسادهم بعد القيامة وبعد الاختطاف قد فقدوا هذه الأجساد عند ظهورهما على الجبل.